ميدي 24 / هيئة التحرير
اللقاء الصحفي الأخير لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، الممتد ساعة و16 دقيقة، بدا في شكله محاولة لتقديم صورة مطمئنة عن الحكومة وموقعه على رأسها، غير أن التدقيق في فحوى الرسائل السياسية التي مررها، يكشف عن تناقض صارخ بين ما يصرح به وما يعيشه الواقع المغربي يوميا.
أخنوش أكد أنه باق في منصبه إلى آخر يوم في الولاية، وأن الانتخابات ستجرى في موعدها بعد تقديم حصيلة حكومية، لكن المتتبع للشأن العام يلحظ أن الحصيلة نفسها تعاني من ضعف في المخرجات، حيث تتزايد معدلات البطالة، وترتفع كلفة المعيشة، بينما لم يتحقق الوعد بإصلاح عميق في الصحة والتعليم، خطاب الاستمرارية إذن يتجاهل حجم التذمر الاجتماعي واتساع الفجوة بين الوعود الانتخابية والإنجازات.
قال رئيس الحكومة إن من حق الحلفاء القيام بدورهم الانتخابي، لكنه يطالبهم بالانسجام داخل الحكومة، هذا التصريح يكشف عن ازدواجية؛ فمن جهة يترك الباب مفتوحا للتنافس الداخلي، ومن جهة أخرى يفرض الانضباط، والواقع يبين أن الخلافات داخل التحالف الحكومي ليست تفصيلا عابرا، بل أثرت على صياغة السياسات العمومية وأخرت تنزيل مشاريع كبرى.
حين صنّف أخنوش المعارضة بين “مسؤولة” و“بوز”، بدا وكأنه يختزل العمل السياسي في ميزان القبول والرفض الشخصي، فالمواطن لا تهمه تسميات رئيس الحكومة بقدر ما تهمه الإجابة عن قضايا غلاء الأسعار، أزمة الماء، تعثر الاستثمار وضعف مناصب الشغل، تجاهل هذه الملفات والاكتفاء بنقد حزب أو آخر هو هروب من مواجهة الواقع بدل التعامل مع جذور الأزمة.
تصريحات أخنوش حول انسجامه التام مع وزير الداخلية وثقته في تدبير الانتخابات تبدو محاولة لطمأنة الرأي العام، لكن واقع الممارسة يكشف أن النقاش حول نزاهة الانتخابات يتكرر كل ولاية، وأن الشكوك قائمة بشأن حياد الإدارة، كما أن تأكيده أن الانتخابات ليست أولوية الآن يناقض جوهر الديمقراطية، حيث يجب أن تكون تهيئة المناخ الانتخابي وضمان التنافسية النزيهة شأنا دائما لا ينتظر اقتراب الاستحقاقات.
النصف الثاني من الحوار امتلأ بأرقام ومعطيات سبق ترديدها في البرلمان. غير أن الأرقام الحكومية، مهما زُخرفت، لا تجد صداها في حياة المواطن الذي يواجه الغلاء وتردي الخدمات الصحية والتعليمية، الفجوة بين لغة الإحصاءات ولغة السوق اليومي أو المستشفى العمومي تظل شاهدة على تناقض الخطاب الرسمي مع الواقع المعاش.
إن الرسائل التي أراد أخنوش تمريرها في لقائه الصحفي تؤكد أنه يسعى لفرض صورة “القائد الواثق”، لكنه اصطدم بواقع يضع حكومته أمام تحديات لم تُحسم بعد.
تناقضاته بين الطمأنة والإنجاز، بين الثقة والشكوك، بين الأرقام والواقع، تجعل من تصريحاته مجرد محاولة للتغطية على هشاشة التجربة الحكومية أكثر من كونها تعبيرا عن قوة سياسية متماسكة.