ميدي 24 / هيئة التحرير
تشهد الجزائر واحدة من أخطر القضايا الأمنية والسياسية في السنوات الأخيرة، بعدما تمكن الجنرال عبد القادر حداد، المعروف بـ”ناصر الجن”، المدير السابق لجهاز الأمن الداخلي، من الفرار نحو إسبانيا بطريقة وُصفت بـ”المذهلة”، وفق ما نشرته صحيفة “إلكوفيندثيال” الإسبانية.
ويُلقب “الجن” بـ”خازن أسرار الكابرانات”، إذ استطاع أن يفلت من مراقبة لصيقة كانت مفروضة عليه، في مشهد يكشف حجم الانقسامات والتطاحنات داخل المؤسسة العسكرية الجزائرية، مصادر متقاطعة أكدت أن الجنرال هرب على طريقة “الحراكة”، بعدما استقل زورقا سريعا من السواحل الجزائرية نحو مقاطعة أليكانتي جنوب إسبانيا، وهناك صرّح أنه اختار الهروب لأن تصفيته كانت وشيكة، وأن مقتله كان سيقدَّم للرأي العام كـ”انتحار” قبل مثوله أمام القضاء العسكري.
اختيار إسبانيا لم يكن اعتباطيا، فالجنرال الفار يملك عقارات هناك، وسبق أن لجأ إليها نهاية العقد الماضي هربا من حملة التطهير التي قادها رئيس الأركان الراحل أحمد قايد صالح بعد الإطاحة بالجنرال توفيق، وبعد وفاة قايد صالح سنة 2019 عاد حداد إلى الجزائر، ليرتقي بسرعة في المناصب، إلى أن عُين في يونيو 2024 مديرا للأمن الداخلي، وأصبح من أقرب المقربين إلى الرئيس عبد المجيد تبون.
غير أن سقوطه كان مدويا، بعدما فتح ملفات حساسة مرتبطة بالفساد والسمسرة، طالت دوائر نافذة داخل النظام، بينها شخصيات مقربة من الرئيس.
جريدة “لوبوان” الفرنسية تساءلت: “هل هددت هذه التحقيقات مصالح الكبار؟” ووصفت ما وقع بـ”الصدمة العنيفة” التي أصابت قمة النظام. السلطات ردت بحملة استنفار أمني واسعة، شملت إقامة حواجز وتفتيش المركبات وإغلاق الطرقات، وحتى تحليق المروحيات في سماء العاصمة، في مشهد يعيد إلى الأذهان صور العشرية السوداء.
فرار “الجن” ليس حدثا معزولا، بل حلقة جديدة في مسلسل الصراع بين أجنحة المؤسسة العسكرية والأمنية، فمنذ وصول تبون إلى الحكم، تعاقب على جهاز المخابرات الداخلية خمسة مسؤولين، وعلى المخابرات الخارجية سبعة، بينما تشير المعطيات إلى وجود نحو 200 ضابط سام في السجون، بينهم 30 جنرالا، بعضهم يعود لاحقا إلى الواجهة، كما حدث مع الجنرال حسان الذي عُين خلفا لـ”الجن”، رغم أنه قضى سنوات طويلة خلف القضبان.
إسبانيا بدورها تحولت إلى الوجهة المفضلة للفارين من النظام الجزائري، حيث يجد فيها الجنرالات والسياسيون الهاربون ملاذا آمنا للاستقرار أو شراء العقارات في انتظار تقلبات المشهد السياسي ببلادهم، وهو ما يجعل هروب “ناصر الجن” ليس مجرد قصة مثيرة، بل مرآة تعكس هشاشة بنية النظام الجزائري، وعمق أزمته الداخلية.